Uncategorizedوطنية
أخر الأخبار

“جينالوجيا” “الأقلمة” الجديدة لتونس

أوازيس أف- أم- علي غوائدية: مشدودة إلى مراسي البحر، موسومة بأرقام، عددها بقدر زوايا نجم علم البلاد، عرضيّة مائلة إلى أسفل؛ رُسمت حدود الأقاليم الجديدة لتونس بمقتضى أمر رئاسي نشرته جريدة الرّائد الرّسمي للجمهوريّة التّونسيّة.

أثار هذا التّقسيم الجديد المَلكة “الجينالوجيّة”، الحفر في أصول الأشياء والأفكار ، لدى النّخبة الأكاديميّة – لا سيّما المختصّة في التّاريخ- لتتداول، من خلال الفايسبوك، حول الملكيّة الفكريّة لهذا التّقسيم. واختلفوا في نسبتها:  إلى المعهد التّونسي للدّراسات الاستراتيجيّةإلى أكاديميين في الجامعة التّونسيّة، التّابع إلى مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة،إلى الاستعمار الفرنسي،  وإلى غيرهم.

وككّل مرّة يصدر فيها قرار قرطاجنِّي، يخرج على الإنس جنّ الجدل والسّجال، بين مساند  للقرار الصّادر عن الرّئيس قيس سعيّد ومحتّج على “الانفراد” به  . وبعيدا عن أيّ نبرة دعائيّة أو انتقاديّة مجانيّة، أتّخذ المسافة – الصّحفيّة- للتمّحيص في شأن يهمّني كما عموم المواطنين وما تكتنزه بطون النساء من بنين وما تدّخره الغرائز من دفاع عن استمرارية النّسل. فالأمر لا يتعلّق بمسطرة أسقطها ديوان قيس الأراضي، أو مركز رسم الخرائط والاستشعار عن بعد، من الجوّ على أرض فسيحة لتسهل قراءتها و تُبيّن مسالكها، إنّما هو أبعد من ذلك.

إنّها عناصر الدّيمغرافيا والجغرافيّا والتّنمية والايكولوجيا والأمن القومي بشتّى مكوّناته (الآمان والغذاء والماء والدّواء والتّعليم وغيرهم)، بالإضافة إلى ذوق ما يُفترض أن يتوفّر لدى من سطّر الأقاليم بهذه الشّاكلة أو بالشّاكلات السّابقة، كما اللاّحقة، إن قدّر الله لنا البقاء على هذه الأرض وأبدت  الوقائع حتميّة تحوير  هذا التّقسيم أو تغييره . هذه العناصر مجتمعة تحدّد حدود الأقاليم، والولايات، والمعتمديات، بل حتّى العمادات.

أقف قليلا عند قضيّة الذّوق: لِمَ لا تُنعت الأقاليم بخصالها كما فعل الجغرافي التّونسي حافظ ستهم ذات يوم؟ أو بتضاريسها؟ أو برموزها؟أو بزراعاتها المميّزة؟ أو برياضاتها؟ أو بثقافاتها؟ كأن نسمِّي “الإقليم الأوّل”(بنزرت- باجة- جندوبة- الكاف)،  مثلا وعلى فرضيّة وجاهة التّقسيم،”الإقليم الغابي” أو “الخصيب”!

على العرّاب أو المنظّر لأيّ فكرة سياسية، خاصّة، أن يكون ذوّاقا بارعا في الوسم. أن يكون خياله “شاعرّيا” يخوّل له إنشاء شعارات أيقونيّة تحرّك مشاعر النّاس وتشحذ هممهم وعزائم للبذل فيهم. والرّأي عندي كون التّسميات (الأقليم الأوّل، الثّاني، الثّالث،…) “قاسيّة” بعض الشّيء لا تخلو من نزعة تصنيفيّة. ثمّ، وفق أي معيار هذا إقليم أول والآخر خامس؟ هل انطلاقا من الشّمال نحو الجنوب ببساطة؟

لو كان ترتيب الأقاليم بالانطلاق من الإقليم الّذي تنتمي إليه عاصمة البلد تونس، أو “إقليم العاصمة” (الصّافي سعيد، 2019) لكان مفهوما على الأقل. و مع ذلك فأنا أثّمن، شخصيّا، أن يكون  عدد الأقاليم موافقا أو مستلهَما  من عدد زوايا نجم الرّاية الوطنيّة (خَمس)!

في كتابه “شخصيّة الأقاليم التّونسيّة” (1999)،  قسّم الجغرافي والأكاديمي  حافظ ستهم تونس عموديّا إلى شطرين، وأفقيّا إلى ثلاثة أجزاء. فكان المجموع ستّة أقاليم: ثلاثة “ساحليّة”، وثلاثة “داخليّة”. بنى تقيسمه على أساس “الخاصيّات الطّبيعيّة” لكلّ إقليم. أُضيف فيما بعد إقليم سابع يُعرف بـ”إقليم تونس الكُبرى” (تونس- أريانة- منّوبة- بن عروس)، آكلا من ولايات إقليمي “الشّمال الشّرقي” و “الشّمال الغربي” كما كان قد حدّدهما هذا الرّجل.

ليست “أقلمة” (التّقسيم إلى أقاليم)  أفقيّا بدعة تونسيّة، بل هي إرث إستعماري فرنسي. واللاّفت كون  هذا التّقسيم الجديد (إلى خمسة أقاليم) سابق النّظير في وثيقة  بعنوان “الأقاليم الاقتصاديّة عام 1922”  (Les régions économiques de 1922) وردت في شكل خريطة لتونس  وهي مقسّمة أفقيّا إلى أقاليم خمسة “إقتصاديّة”، مرقّمة رومانيّا من واحد إلى خمسة، بالإضافة إلى إقليم “عسكري” (سادس) يحدّ قفصة من الجنوب و منطقة “الجريد” (توزر) من الغرب ويشقّ قابس ممتّدا في اتّجاه الجنوب،  ضامّا بذلك ولايات قبلّي و جزء من قابس (مطماطة) وتطاوين ومدنين (بتسمياتها الرّاهنة) .

وكملاحظة شكليّة أختم بها هذه الورقة “الجينالوجيّة”، أقول إنّ أربعة أقاليم تمتّد على الشّطر الشّمالي بينما يحتّل واحد فقط (الإقليم الخامس) الشّطر الجنوبي للبلاد ،تقريبا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى